ينبغي للمسلم أن يسعى إلى معالجة قلبه، كما يسعى إلى معالجة بدنه، ولا سيما ونحن مقبلون على هذا الشهر الفضيل، وقد حاز سلف الأمة قصب السبق في هذا الجانب المهم، مقتدين برسولهم الكريم إذ يقول:« أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقا» رواه الترمذي (1162).
فالحياة هي حياة القلب، والموت موت القلب، والمرض مرض القلب .
ولأن القلب هو موضع نظر الله تعالى من العبد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إلى صُوَرِكُمْ وأَمْوالِكُمْ، ولَكِنْ يَنْظُرُ إلى قُلُوبِكُمْ وأَعْمالِكُمْ.»
رواه مسلم (2064). فالناس لا تتفاضل عند الله بكثرة الأموال والأولاد، إنما تتفاضل بتقوى الله عز وجل؛ لأن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، لكن الإيمان لا يعطيه إلا لمن يحبه .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن في الجسدِ مضغةً إذا صلَحت صلحَ لها سائرُ الجسدِ، وإذا فسدت فسد لها سائرُ الجسدِ ألا وهي القلبُ». رواه البخاري (52).
فصلاح الظاهر متوقف على صلاح الباطن، والقلب قائد، والأعضاء تبع له، فمتى ما استقام القلب استقامت له الجوارح والعكس، لأنها لا تكفي دون عمل القلب، ولما قاتل رجل مع النبي، وأبلى بلاءً حسناً، تخيل أن النبي صلى الله عليه وسلم، لما سُئل عنه قال:« هو من أهل النار» أخرجه البخاري (2898)؛ لأنه لم يرد وجه الله بقاتله، فهذا دليل واضح كالشمس إلى المسارعة في مراقبة القلوب وإصلاحها، يقول ابنُ القيم :
«وتزكيةُ النفوس أصعبُ عن علاج الأبدان وأشدُّ، فمن زكّى نفسَه بالرّياضة والمجاهد والخلوة، التي لم يجيءْ بها الرسلُ، فهو كالمريض الذي يعالجُ نفسه برأيه، وأين يقعُ رأيُه من معرفة الطبيب؟ فالرسلُ أطباءُ القلوب، فلا سبيلَ إلى تزكيتها وصلاحها إلا من طريقهم، وعلى أيديهم، وبمحض الانقياد، والتسليم لهم».