الجزء الأول
- كافية لوحدها وغياب الدعم والإصابات حطّما مسيرتي»
- تغيير مركزي نقطة سلبية أثرت على مسيرتي
- المنتخب الوطني حلم دمره كابوس الإصابات
- إعتزلت بلا رجعة من أجل كرامة والدتي رحمها الله
- التكوين غائب والمواهب تسير نحو طريق الضياع
- كرة القدم تحتاج رؤية وتخطيط لا عشوائية في التسيير
- شباب بلوزداد فتح لي أبواب المنتخب المحلي والإحتراف
- بوعلام شارف من أفضل المدربين الذين عملت معهم
كرة القدم ليست مجرد رياضة، بل هي مسيرة مليئة بالتحديات، القرارات المصيرية، واللحظات التي قد تصنع الفارق بين النجاح والإخفاق. نلتقي اليوم مع رمزي بورڤبة، اللاعب الذي امتلك موهبة كبيرة لكنه لم يجد الظروف المثالية لتحقيق حلمه بالكامل. في هذا الحوار الحصري، يفتح بورڤبة قلبه لجريدة «الروح الرياضية» ضمن ركن ضيف الأسبوع، ويتحدث بكل صراحة وشفافية عن مسيرته الكروية والقرارات التي ندم عليها بالإضافة الى العوائق التي وقفت في طريقه، ورأيه في واقع كرة القدم الجزائرية اليوم. كما يتحدث عن اللحظات الصعبة التي مر بها، سواء داخل الملاعب أو خارجها، خاصة تلك التي دفعته لاتخاذ قرار الاعتزال المبكر. في الجزء الأول من هذا اللقاء، نتوقف عند بدايات رمزي في كرة القدم والعوامل التي أثرت على مسيرته، ورؤيته لمستقبل البطولة الجزائرية وما تحتاجه لتكون من بين أفضل الدوريات العربية.
عرف بنفسك للجيل الجديد من متابعي كرة القدم الجزائرية ؟
صباح الخير لجمهور الرياضة ومتابعي جريدة الروح الرياضية. أنا رمزي بورڤبة ، من مواليد 20 ديسمبر 1984، لاعب كرة قدم سابق، حملت ألوان العديد من الأندية الجزائرية، من بينها شبيبة القبائل، شباب بلوزداد، اتحاد الحراش، مولودية العلمة، شبيبة بجاية، أمل الأربعاء، ونادي زرالدة حيث بدأت مسيرتي فيه. كما خضت تجربة احترافية مع نجران السعودي، قبل أن أختتم مشواري في أهلي برج بوعريريج.
كيف كانت رحلتك مع كرة القدم؟
ككل اللاعبين الجزائريين، كانت بدايتي في الشارع، حيث تعلمت عشق الكرة. انضممت إلى نجم زرالدة في فئة الأصاغر، في سن 8 سنوات لكنني لم ألعب كثيرًا فيها، فتمت ترقيتي بسرعة إلى فئتي الأشبال والاواسط، ثم إلى فئة الشبان. بدأت لمس الكرة في سن الرابعة، ووفقًا لما كانت تحكيه والدتي – رحمها الله – كنت شغوفًا بها منذ الصغر، لدرجة أنها كانت تشتري لي كرة جديدة كل يوم. في سن 16 عامًا، وجدت نفسي ألعب مع الفريق الأول لنادي زرالدة، وكانت تلك أولى خطواتي الحقيقية في عالم الكرة.
من كان له التأثير الأكبر في تطوير مهاراتك الكروية؟
لم يكن في عائلتي أي رياضي أو لاعب كرة قدم، فأنا الوحيد الذي دخل هذا المجال. الموهبة كانت هبة من الله، لكنني لم أكتفِ بها، بل عملت بجد على تطويرها. شغفي بالكرة كان يكبر معي يومًا بعد يوم، وهو ما دفعني إلى بذل المزيد من الجهد للوصول إلى مستويات أعلى. في سن 13 أو 14 سنة، قررت أن أصبح لاعبًا محترفًا، وكنت أحدث نفسي قائلًا: عندما أبلغ 19 عامًا، يجب أن أوقع عقدًا مع نادٍ في القسم الوطني الأول، وإلا فسأتوقف عن لعب الكرة. حتى أصدقائي الذين نشأت معهم يشهدون أنني كنت أردد هذا الكلام دائمًا. عندما وقّعت مع شبيبة القبائل، وضعت هدفًا جديدًا: اللعب في أوروبا. لكن القدر لم يكتب لي ذلك. خلال مسيرتي، لم يكن هناك شخص يوجهني أو يدعمني، وهذا ما كنت أفتقده حقًا. لو كان هناك شخص يقف بجانبي ويساندني، ربما كانت مسيرتي ستأخذ منحى مختلفًا تمامًا، لأنني كنت أعتمد على نفسي فقط.
لماذا اخترت منصب مهاجم وليس مركزا آخر؟
بدأت مسيرتي كلاعب وسط هجومي برقم 10، حتى عند وصولي إلى الفريق الأول. لكن تغيير مركزي كان أحد الأسباب التي أثرت على مسيرتي. كنت أشعر براحة كبيرة عندما ألعب كمهاجم متأخر كما يعرف بالرقم 9.5، لأنني أحب الانطلاق من الخلف والمشاركة في بناء اللعب، لكن المدربين اعتمدوا عليَّ كمهاجم صريح، وهو مركز مختلف تمامًا. لم أختر هذا التغيير، بل فرض عليَّ من قبل المدربين، ولو واصلت اللعب في مركزي الأصلي 9.5، كنت سأصل إلى مستويات أعلى وأحقق طموحاتي بشكل أفضل.»
متى بدأت مسيرتك الاحترافية؟ مع أي فريق؟
بدأت مسيرتي الاحترافية مباشرة من القسم السادس مع نادي زرالدة إلى أحد أكبر الأندية في الجزائر، شبيبة القبائل. في ذلك الوقت، شاهد الرئيس محند شريف حناشي – رحمه الله – أحد أهدافي، فأعجب به وقال للمسؤولين: هذا اللاعب يجب أن تحضروه. بعدها، تواصل معي حكيم مدان، الذي كان مناجيرا رياضيًا للنادي، وتحدثنا عن انتقالي. لم أتردد، وبعمر 20 سنة، وقّعت رسميًا مع شبيبة القبائل، ومنذ تلك اللحظة، انطلقت رحلتي في عالم الاحتراف.
ماهي أبرز التحديات التي واجهتها خلال لعبك مع أندية مثل شبيبة القبائل، اتحاد الحراش، شباب بلوزداد، وشبيبة بجاية؟
مسيرتي مع الأندية الكبرى في الجزائر كانت مليئة بالتحديات. في شبيبة القبائل، لم تتح لي الفرصة للعب كثيرًا، لأن الفريق كان يضم أسماءً كبيرة مثل زافور، ياسف، دريوش، دابو، حماني (رحمه الله)، وعثماني. هؤلاء اللاعبون كانوا سندًا لي، ونصحوني بضرورة تغيير الفريق للحصول على فرصة لإبراز إمكانياتي. للأسف، ضيّعت عامين دون أن ألعب، ولو أُتيحت لي الفرصة وقتها، لكنت وصلت بعيدًا. بعدها، انتقلت إلى اتحاد الحراش، الذي كان ينافس على الصعود، بفضل تدخل أحد المناجرة، حكيم، الذي أحيّيه من هذا المنبر. اتحاد الحراش كان بوابتي الحقيقية نحو التألق، حيث صعدت معه إلى القسم الأول، ولعبت معه ثلاث مواسم في دوري النخبة. لكن لسوء الحظ، تعرضت لإصابة على مستوى الأربطة، مما عرقل مسيرتي لبعض الوقت. المدرب بوعلام شارف، الذي أحيّيه أيضًا، كان واحدًا من أفضل المدربين الذين عملت معهم، وقدم لي الكثير. بعد فترة ناجحة مع اتحاد الحراش، لكن المشاكل مع الرئيس لعايب (رحمه الله) دفعتني للبحث عن وجهة جديدة. انتقلت إلى شباب بلوزداد، الذي أعاد لي الروح، وسجلت العديد من الأهداف، لكن الإعلام لم يكن ينصفني في ذلك الوقت. شباب بلوزداد فتح لي أبواب المنتخب الوطني والاحتراف، حيث انتقلت إلى نادي نجران السعودي. رغم أنني كنت قد عدت إلى مستواي وسجلت عدة أهداف، إلا أن الاختيار لم يكن موفقًا من الناحية الرياضية، رغم أنني استفدت ماديًا. في عمر 27 سنة، عندما كنت في قمة مستواي، تعرضت لإصابة أخرى، مما أفقدني الأمل في الاحتراف الأوروبي. رغم ذلك، حصلت على عرض من نجران السعودي في القسم الأول، لكن التجربة لم تكن موفقة كما كنت أطمح، لأنني لم أجد نفسي في الفريق.
شاركت مع منتخب المحليين في مباراة واحدة عام 2010. ما هي أبرز ذكرياتك من تلك الفترة؟
التحاقي بالمنتخب الوطني للمحليين كان بفضل أنصار شباب بلوزداد، الذين طالبوا بضمي بشدة، لأنني كنت هدافًا في ذلك الوقت. رغم أنه كان من الممكن استدعائي دون ضغط الجماهير، إلا أن دعمهم الكبير كان له دور في وصولي إلى المنتخب. لدي ذكريات جميلة جدًا مع المنتخب، حيث كنا مجموعة متماسكة، مثل الإخوة، ومن بين زملائي في تلك الفترة هلال سوداني، مسعود، والعديد من الأسماء البارزة. كنا نمتلك فريقًا رائعًا، وكنت ضمن القائمة التي ستشارك في كأس إفريقيا للمحليين في السودان. لكن للأسف، تعرضت لإصابة في المباراة الوحيدة التي لعبتها، والتي كانت ضد مدغشقر في 20 أوت. أتذكر كيف كان أنصار شباب بلوزداد يهتفون بقوة مطالبين المدرب عبد الحق بن شيخة بإشراكي، حتى أنه جاء إليّ مازحًا وقال: أنا من يقرر إدخالك، وليس المناصرون! عشت فترة رائعة مع المنتخب، لكن الإصابة كانت صدمة كبيرة، لأنها حرمتني من مواصلة المشوار في البطولة الإفريقية. ورغم كل شيء، أحمد الله على تلك التجربة التي ستظل ذكرى مميزة في مسيرتي.
إعتزلت كرة القدم في سن 31 عامًا. ما الأسباب التي دفعتك لاتخاذ هذا القرار؟ وهل فكرت في العودة بعد الاعتزال؟
لم يكن اعتزالي بسبب الإصابات أو التقدم في العمر، بل بسبب شتم أمي رحمها الله. كانت علاقتي بها قوية جدًا، لدرجة أنها كانت تبكي كلما ذهبت للتدريبات، حتى لو كنت أعود بعد ساعتين فقط. بعد وفاتها، كنت أعرف أنني لن أتحمل الاستمرار طويلًا في كرة القدم. تعرضت للشتم في بعض المباريات، لكن عندما وصل الأمر إلى سب والدتي، لم أستطع تقبله. فكرت كثيرًا في الاعتزال، خاصة في آخر ستة أشهر من مسيرتي، وناقشت الأمر مع والدي وزوجتي، اللذين نصحاني بالصبر، لكنني لم أستطع التحمل أكثر. نحن في بلد مسلم، والأم لها مكانة عظيمة، لكن للأسف، هذه الظاهرة في تزايد، وهي مشكلة تربية وأخلاق. بعض الأشخاص يأتون إلى الملاعب فقط لتفريغ غضبهم بطريقة غير مقبولة. لم أفكر أبدًا في العودة بعد الاعتزال، بل كان قرارًا نهائيًا لا رجعة فيه. لعبت في زرالدة وكنت واضحًا: إذا تعرضت للإهانة، سأغادر الملعب فورًا وأذهب إلى بيتي مباشرة. الحمد لله، أنهيت مسيرتي بشرف، وهذا أهم شيء بالنسبة لي.
كيف تقيم مسيرتك الكروية بشكل عام؟
بكل صراحة وتواضع، أقيّم مسيرتي بأنها فاشلة مقارنة بما كان يمكنني تحقيقه. لم أفهم أبدًا ماذا حدث لي، لكن بشهادة اللاعبين والمدربين، كنت أملك إمكانيات كبيرة، وكان بإمكاني اللعب حيثما أريد. كما ذكرت سابقًا، لم أجد الدعم الذي كنت بحاجة إليه في مسيرتي، وهذا كان له تأثير كبير على تطوري. بمرور الوقت، بدأت أفقد الحماس، حتى أنني كرهت مسيرتي رغم كل ما قدمته. اللاعب عمار عمور كان يشبهني كثيرًا بالمهاجم الكبير بورحلي، لكن في النهاية، لم أحقق ما كنت أطمح إليه.
في فترة معينة، كانت أرقامك التهديفية أفضل من بعض اللاعبين المعروفين، لكنك لم تحظَ بفرصة اللعب مع المنتخب الاول… هل شعرت بالظلم؟
في الفترات التي كنت فيها في قمة مستواي، شعرت أنني كنت مظلومًا بعض الشيء، لكنني كنت أؤمن بأن الفرصة ستأتي. عندما حصلت على استدعاء للمنتخب الوطني للمحليين، كنت أطمح للتألق وفتح الباب أمام انضمامي للمنتخب الأول. لكن للأسف، تعرضت للإصابة في لحظة حاسمة جدًا. لو لعبت دورة السودان إلى جانب إسلام سليماني وهلال سوداني، ربما كنت سأصل لنفس مستواهم وأحصل على فرصة حقيقية في المنتخب الوطني الأول. لكن هذا هو المكتوب، والأقدار شاءت أن تسير الأمور بطريقة مختلفة.
كيف ترى واقع كرة القدم الجزائرية اليوم؟ وما هي أبرز التحديات التي تواجهها؟
اليوم، الإمكانيات المتاحة أفضل بكثير مما كانت عليه في زمننا، سواء من حيث المنشآت الرياضية، طرق التدريب، أو حتى الاهتمام باللاعبين. لكن رغم ذلك، هناك نقص واضح في التكوين والتقنيات، وهذا ما يتفق عليه معظم اللاعبين السابقين. المشكلة ليست في المواهب، بل في الطريقة التدريبية، وخاصة العمل على الجوانب الفنية والتحكم بالكرة. لو توفرت لنا هذه الإمكانيات في وقتنا، لكان المستوى مختلفًا تمامًا، وربما كنا سنرى لاعبين جزائريين في أندية عالمية كبرى بشكل أكبر.
مارأيك في نظام التكوين والتدريب في الجزائر؟
نظام التكوين والتدريب في الجزائر يعاني من نقص كبير جدًا. الأموال التي تُنفق على كرة القدم كان من الأفضل استثمارها في مدارس التكوين، والبدء من الصفر، بتخريج لاعبين وفق أسس صحيحة. لكن للأسف، ما زلنا نعمل بعشوائية. يجب علينا أيضًا تكوين المدربين قبل كل شيء، لأنهم الأساس في تطوير اللاعبين. لو تم ذلك، فسيأتي النجاح تلقائيًا بمرور الوقت. لكن الواقع الحالي مختلف، حيث تُدار الأمور بطريقة سطحية: نبدأ الموسم، نسجل اللاعبين، ونلعب فقط بدون رؤية واضحة، وهو ما يجعلنا متأخرين عن الدول التي تعتمد على برامج تكوين حقيقية.
حاورته: أمينة بشيخ
يتبع