الجزء الثالث والأخير
- التكوين القاعدي هو مفتاح تطوير كرة القدم الجزائرية
- بلومي «ظاهرة» وهو أكثر لاعب تأثرت به خلال مسيرتي
- هدفي أمام السياربي وآخر في شباك الحارس «نْكُونُو» هما الأجمل
- الفارق في زماننا كان يُصنع بالمهارة والفنيات، لا باللياقة البدنية
- الأطقم الفنية السابقة للمنتخب الوطني لم تكن في مستوى جودة اللاعبين
في الجزء الثالث من حوار الأسطورة ناصر بويش، مع جريدة «الروح الرياضية» ضمن ركن «ضيف الأسبوع» ننتقل للحديث عن محاور أخرى تبرز الجوانب المميزة في مسيرته، مثل أهمية التكوين في تطوير كرة القدم الجزائرية، وتأثير اللاعبين الكبار مثل لخضر بلومي الذي شكل علامة فارقة في مسيرته. يتناول ناصر بويش أيضا لحظات لا تنسى في مسيرته الرياضية، مثل هدفه في الديربي العاصمي أمام السياربي وهدفه في كأس افريقيا، ويعبر عن شعوره العميق بالانتماء والتضحية عندما كان يرتدي قميص المنتخب الوطني. كما يشاركنا برؤيته حول التفاصيل التكتيكية وأثرها على مشوار المنتخب، إضافة إلى تأكيده على أن الفارق في المباريات كان يصنع بجودة اللاعبين وليس فقط باللياقة البدنية، وصولا إلى حديثه عن كرة القدم باعتبارها شغفا مستمرا مدى الحياة، وليست مجرد مهنة عابرة.
ما رأيك في مستوى التسيير الرياضي في الجزائر؟ وهل يمكن أن يتغير نحو الأفضل؟
أعتقد أن مستوى كرة القدم في الجزائر حاليا تحت المتوسط، لكنه بدأ يتطور قليلا. الأمور تتحسن بوجود أشخاص أكفاء على رأس الأندية، وهذا مهم جدا من الناحية التقنية والطبية، لأن كرة القدم اليوم أصبحت صناعة. أحسن مثال على ذلك هو مولودية الجزائر، التي تمتلك مركز تكوين خاص بها، حيث أن كل شيء مبني على أسس وهيكلة واضحة، وهو أمر لم نشهده من قبل. في السابق، كانت الأندية تتدرب دون معرفة واضحة لبرنامجها اليومي، أما اليوم فالمولودية أصبحت تعتمد على مركزها في التكوين، وهو ما يجب أن تسير عليه جميع الأندية الأخرى. من أجل التقدم، يجب أن تمتلك كل الفرق مراكز تكوين، لأن غيابها هو السبب الرئيسي في ضعف المستوى. ربما بارادو هو الاستثناء الوحيد، لأنه يملك استراتيجية واضحة في التكوين. والدليل على ذلك أن المنتخب الوطني الأول يضم لاعبين تخرجوا من أكاديمية أتليتيك بارادو مثل بن سبعيني، عطال، بوداوي، زرقان. في قائمة تضم 24 أو 25 لاعبا، نجد 3 أو 4 فقط من خريجي مركز تكوين ناد محلي. المشكلة ليست فقط في التسيير، بل أيضا في غياب المتابعة للاعبين بعد خروجهم من مراكز التكوين. أعتقد أن الحل يبدأ من القمة، أي على مستوى الاتحاد الجزائري لكرة القدم، حيث يجب وضع رؤية مستقبلية واضحة لتطوير الكرة في بلادنا. يجب أن يكون هناك عمل حقيقي واستغلال الإمكانيات التي وضعتها الدولة تحت تصرف الأندية، لأننا نملك القدرات، لكن نفتقر إلى التنظيم والتخطيط الصحيح. وبهذا التخطيط يمكننا توفير لاعبين قادرين على تدعيم المنتخب الوطني.
لعبت مع المولودية في فترة كانت مليئة بالنجوم، من كان اللاعب الذي أثر فيك أكـثـر خلال مسيرتك؟
عندما تخوض مسيرة في كرة القدم، تلتقي بعدد من النجوم الكبار. في المنتخب الوطني الجزائري، لعبت إلى جانب العديد من الأسماء البارزة، فمنهم من زاملني في الفئات الشبانية ثم التقينا لاحقا في الفريق الأول، مثل رابح ماجر ولخضر بلومي. لقد كانت فترة مليئة بالنجوم، حيث كان لكل لاعب مكانته. لكن أكثر من أثر في هو لخضر بلومي، فقد لعبت معه في مولودية الجزائر، ثم في المنتخب العسكري، وأخيرا في المنتخب الوطني الأول. كان لاعبا استثنائيا، ويمتلك رؤية مذهلة للملعب، وكان من الرائع اللعب إلى جانبه.
ما هو الهدف الذي سجلته ولم تستطع نسيانه حتى اليوم؟
خلال مسيرتي الكروية، سجلت العديد من الأهداف التي لا تزال محفورة في ذاكرتي. أحرزت حوالي 70 هدفا، وهو رقم متوسط، ليس بالكثير ولا بالقليل، لكن قيمته تكمن في أهميته وتأثيره في المباريات. مررت 140 تمريرة حاسمة، وخضت 250 مباراة بقميص فريقي، لكن هناك هدفان لا يمكن محوهما من ذاكرتي. الأول حينما عاد الجمهور إلى المدرجات كان ذلك في مباراة ديربي بين مولودية الجزائر وشباب بلوزداد في ملعب 5 جويلية، أمام 60 ألف متفرج. المباراة كانت تسير نحو النهاية لصالح السياربي، وبعض الجماهير بدأت تغادر المدرجات، ولكن في اللحظات الأخيرة، تمكنت من تسجيل هدف التعادل 1 مقابل 1. للحظات، لم يدرك الجمهور أن الكرة دخلت الشباك، حتى أظهرت الشاشة الإلكترونية النتيجة الجديدة، وعندها انفجرت الفرحة في المدرجات. وعاد المشجعون. كان ذلك هدفا مميزا لأن توقيته كان قاتلا، في واحدة من أكثر المباريات حماسا في مسيرتي. خاصة وأنه في مباريات الديربي، لا أحد يريد أن يخسر، حتى التعادل لا يرضي أحدا. أما الهدف الثاني، فكان في مباراة ضمن منافسات الأندية الإفريقية ضد فريق كانون ياووندي الكاميروني على ملعب 20 أوت. كان حارس مرماهم طويل القامة، العملاق توماس نكونو، وكنت أعلم أنه سيكون من الصعب هز شباكه. لكن في لحظة حاسمة، تلقيت كرة وسددتها بقوة، وقفزت بطريقة مثالية، لتسكن الكرة الشباك. بالنسبة لي، هذا أحد أجمل الأهداف التي سجلتها، لأنه جاء أمام خصم قوي وحارس من أساطير القارة السمراء وفي منافسة كبيرة. هذان الهدفان سيبقيان محفورين في ذاكرتي إلى الأبد.
كيف تصف شعورك عند تمثيل الجزائر على المستوى الدولي؟
بدأت حمل ألوان المنتخب الوطني في فئة الشباب، وبعدها انضممت إلى الفريق الأول. كان لدي شرف تمثيل بلدي في البطولات القارية والدولية، وهذا شعور خاص جدا. تمثيل الجزائر يعني شيئا كبيرا، لأن الجزائر ليست مجرد بلد؛ إنها تاريخ طويل مليء بالتضحيات. عند لعبك للمنتخب الوطني، تشعر بالانتماء إلى هذا التاريخ العظيم. يمكن للجزائريين أن يكونوا غيورين جدا على وطنهم، وهذا شيء لا يمكن تجاهله. عندما تمثل الجزائر، تشعر أنك تمثل جزءا من هذا التاريخ الكبير. نحن نعرف التضحية التي قدمها العديد من الأبطال مثل ديدوش مراد، ونعرف ما قدموه من أجل الوطن. عندما تلبس قميص المنتخب الوطني، يتعين عليك أن تكون جاهزا لأداء واجبك على أكمل وجه. لقد لعبت مع العديد من اللاعبين، سواء من الجزائر أو من مناطق أخرى كنا نلعب بروح الفريق الواحد، وكان الهدف الأسمى هو تمثيل الجزائر التي تعلمنا منها الإخلاص.
في رأيك، ما الذي كان ينقص الجزائر لتحقيق نتائج أفضل في تلك الحقبة؟
في رأيي، كان هناك مدربون جيدون من حيث الخطة الفنية، أما في الجانب التكتيكي فالأمر مختلف. صحيح أن هناك مدربين جيدين، ولكن على المستوى التكتيكي، لم يكن لديهم القدرة على إدارة المباريات كما يجب. لقد كنت جزءًا من الفريق عبر مختلف الأجيال، وخلال مشوارنا في كأس العالم، كنا نمتلك القدرة على الذهاب إلى أبعد نقطة، ولكن كان بإمكاننا تحقيق أكثر من ذلك. على سبيل المثال، كنا فائزين على تشيلي 3 مقابل 0، ولكن في النهاية تحولت النتيجة إلى 3 مقابل 2 ثم وجدنا أنفسنا خارج المنافسة، بينما لو حققنا نتيجة 3 مقابل 0 كنا سنتأهل بسهولة. هذا يوضح أن التفاصيل التكتيكية كانت تلعب دورا حاسما في مسيرتنا. في كل بطولة كبرى، كانت الجزائر دائما من الفرق المرشحة، خاصة مع الأجيال المتميزة التي تعاقبت على المنتخب. ولكن، أعتقد أنه في مرحلة معينة، كان من الضروري تطوير الطاقم الفني ورفع مستواه ليواكب تطلعات الفريق. فقد كان المستوى الفني للمنتخبات الأخرى في تلك الحقبة أكثر تطورا، مما منحها الأفضلية في بعض المناسبات. لو كان هناك طاقم فني أكثر كفاءة ودعما، لكانت الجزائر قادرة على تحقيق إنجازات أكبر. لماذا لا نكون أبطال إفريقيا في أكثر من مناسبة؟ الجودة كانت دائما حاضرة، والمنتخب الوطني الجزائري كان دائما من الفرق المفضلة، لكنه في كثير من الأحيان كان يخرج من نصف النهائي رغم أنه كان المرشح الأبرز للفوز.
كيف ترى مستوى الدوري المحلي اليوم مقارنة بزمانك؟
في الماضي، كان لدى كل ناد ما لا يقل عن 2 إلى 4 لاعبين على مستوى عال من الناحية الفنية، وكان المستوى البدني أعلى قليلا مما هو عليه اليوم. ولكن مع تطور أساليب التدريب، تغيرت البنية البدنية والتكتيكية بشكل كبير، في حين تراجع التركيز على الجانب الفني. جيل الأمس كان يتميز بمهارات فنية عالية، بينما اليوم أصبحت القوة البدنية واللياقة هي العنصر الأهم في كرة القدم الحديثة، حيث يعتمد بشكل أكبر على السرعة والتحمل. وتقديم أداء فني مميز. اليوم، أصبح الفريق الذي يجري أكثر هو الأقرب للفوز، بغض النظر عن المهارات الفنية. كما أن العمل على مستوى الشباب محليا يبدو محدودا، فقبل عشر سنوات، كان هناك لاعبون مثل يوسف بلايلي الذين برزوا من البطولة المحلية بجودة فنية عالية، بينما اليوم نفتقد لهذا المستوى. على سبيل المثال، عندما شاهدت لأول مرة اللاعب عمورة، أدركت أنه موهبة فريدة. أتذكر مباراة فريقه، حيث تقدم فريقه بعد 20 دقيقة فقط بفضل أهدافه، لكنه استبدل لاحقا وانتهت المباراة بفوز المولودية 3 مقابل 2. هذا يدل على أن هناك مواهب فردية، لكنها لا تتلقى التطوير الكافي. اليوم، نشهد نقصا في المدربين ذوي الجودة العالية، ونحتاج إلى أفكار جديدة لتطوير المواهب، لأن الفارق بين جيل الأمس واليوم يكمن في أن الجودة الفنية كانت العنصر الأبرز في الماضي.
بعد اعتزالك، كيف كانت علاقتك بكرة القدم؟
بعد الاعتزال، وجدت نفسي في مجال آخر، لكن يبقى اللاعب الذي عاش شغف كرة القدم مرتبطا بها دائما. كرة القدم ليست مجرد مهنة، بل شغف يستمر مدى الحياة. عندما تبدأ مشوارك في سن العاشرة وتعتزل في الثلاثين، يصبح من الصعب الانتقال إلى مجال مختلف، لأنك طيلة 20 عاما تعيش في عالم محدد تدريبات يومية، اختيارات، تنقلات، اجتماعات ما قبل المباريات، والإقامات في مراكز التدريب. التغيير يصبح ضروريا بعد الاعتزال، لكن حتى لو ابتعدت عن الملاعب، فإن كرة القدم تظل جزءا منك. بعد فترة من الابتعاد، دعاني أحد الأصدقاء للمشاركة في برنامج إذاعي للحديث عن مباراة، وبعد يومين تلقيت اتصالا من سفيان داني الذي أخبرني أن حديثي كان مثيرا للاهتمام وسألني إن كنت مهتما بالانضمام إليهم، فوافقت. كان ذلك في 2001-2002، حيث بدأت مسيرتي الإعلامية مع برنامج «الشوط الثالث». عدت أيضا إلى الملاعب كهاو، عملت كمدرب لمدة ستة أشهر، لكنني كنت صارما بعض الشيء، فقررت الاتجاه إلى مجال آخر. في الوقت ذاته، فكرت في شهاداتي التدريبية، حيث تحصلت على الرخص التدريبية الثلاث لكنني كنت أرغب في تجربة شيء مختلف. كما شغلت منصب المدير الرياضي لمولودية الجزائر لمدة 14 شهرا، حيث كنا نطمح لإنشاء مشروع رياضي طويل الأمد. كنت أريد تطوير الجانب التدريبي، لكن الأمور كانت معقدة بسبب نقص الموارد مقارنة باليوم. في ذلك الوقت، كان مجرد امتلاك مركز تدريب إنجازا كبيرا. واليوم، أصبح مركز تكوين مولودية الجزائر نموذجا يُقتدى به وساهم في تطور كرة القدم الوطنية. لكن للأسف، بعد أن التقينا بالكثير من الأشخاص غير النزيهين والشرفاء في هذه البيئة، الظاهرة هي أن مقابلة الكثير من الأشخاص غير النزيهين يعطل تطور الاشياء.
كلمة أخيرة
الصورة التي لا تفارق ذهني عن مباريات المولودية هي صورة ذلك المناصر العاشق للعب الجميل، الفنان والمخلص. مناصر لا يملك ذاكرة قصيرة، بل يحمل في قلبه كل اللحظات. هناك من يذكرني بأحداث وقعت قبل 30 سنة، أنا نفسي نسيتها، ويريني صورا عمرها 20 أو 30 بل حتى 40 سنة، يصعب تصديقها. هذا هو مناصر المولودية الحقيقي، الوفي الذي لا يتخلى عن فريقه أبدا. أتمنى لهم السعادة وحياة طويلة، وكذلك لجريدة «الروح الرياضية». هذا فخر وسرور كبير، وأنا أؤمن بالشباب، وأتمنى لكم كل التوفيق ولم لا، أن تصبحوا الرقم واحد.
أسئلة وأجوبة على السريع
- ناديك المفضل محليا وعالميا؟
- مولودية الجزائر وريال مدريد
- هدف سجلته ولا يمكنك نسيانه؟
- هدفي ضد السياربي بمقصية وهدف آخر في شباك الحارس نكونو
- أحسن لاعب في تاريخ الجزائر؟
- لخضر بلومي
- أحسن لاعب جزائري حاليا؟
- يوسف بلايلي
- أحسن لاعب في تاريخ كرة القدم العالمية؟
- دييغو مارادونا وزين الدين زيدان
- لو لم تكن لاعب كرة القدم أي مهنة كنت ستختار ؟
- محامي
- رياضة تحب تمارسها غير كرة القدم؟
- كرة اليد
حاورته: أمينة بشيخ