في قلب مدينة وهران، حيث تصنع الأحلام وتولد المواهب، ظهر نجم صغير يضيء سماء كرة القدم الجزائرية. الطفل مبارك الطاهر لطفي، المعروف باسم “طاهيرو”، الذي لم يتجاوز عمره العاشرة، لكنه نجح في جذب الأنظار بمهاراته الاستثنائية، ليُصبح رمزًا للموهبة الفطرية التي يمكن أن تتحول إلى أسطورة.
-بوزيدي زوبير
تماما كما بدأ العديد من النجوم العالميين مسيرتهم في الشوارع والأحياء البسيطة قبل أن يصبحوا أسماء خالدة في تاريخ الكرة. وفي هذا الحوار، تسلط يومية “الروح الرياضية” في ركن ضيف الأسبوع، الضوء على مشوار هذا الفتى الطموح، الذي يسير بخطوات ثابتة نحو النجومية، متجاوزا كل العقبات، ليكتب لنفسه مستقبلا واعدا في عالم المستديرة.
إبداع على أرض الملعب وامتياز في المدرسة
وُلد طاهيرو في 16 سبتمبر 2016 في بلدية السانية بوهران. ليصبح في سن التاسعة واحدا من أبرز الوجوه الواعدة في عالم كرة القدم. لكن تألقه لا يقتصر فقط على المستطيل الأخضر، بل يمتد أيضا الى قاعات الدراسة، حيث يتصدر قائمة التلاميذ في مدرسته “بن بوزكريني محمد”. في السنة الثالثة ابتدائي خلال الموسم الدراسي المنقضي، يتميز طاهيرو بذكائه الاستثنائي في الفصل، الى جانب انضباطه واجتهاده، مما جعله نموذجا حيا للطفل الذي يوازن بين الدراسة والرياضة بكل نجاح.
رحلة الإكتشاف من اللعب العفوي إلى الحلم الكبير
بدأت قصة طاهيرو اللاعب الموهوب، عندما لاحظ والده ولعه الكبير بكرة القدم منذ سن الرابعة. في البداية، كان الأمر يبدو كأي شغف طفل صغير بكرة القدم، لكن مع مرور الوقت، بدأت ملامح موهبة استثنائية تظهر. يقول والده “لم أكن أدرك أنني أمام مشروع لاعب كبير، حتى جاءني جاري، السيد مصطفى بربش، وهو من عشاق كرة القدم، وقال لي: سي لطفي، أعرف أنك شاب تهوى الاستثمار، لكن بين يديك مشروع مربح لم تستغلّه بعد. ابنك طاهيرو يملك موهبة نادرة في كرة القدم، لا تضيّعها.”كانت تلك الكلمات نقطة التحول في حياة طاهيرو، حيث قرر والده أن يولي اهتمامًا أكبر لموهبة ابنه، ويأخذه إلى إحدى الجمعيات الرياضية.
الخطوة الأولى .. بوابة جمعية “لاراديوز”
بعد أن تلقى نصيحة، قرر والد طاهيرو أن يضع موهبة ابنه في المسار الصحيح. مؤمنا بأن هذه الموهبة بحاجة الى دعم والتوجيه . وفي سنة 2023، قرر أن يسجل طاهيرو في جمعية “لاراديوز” الرياضية، التي تعد من أبرز الجمعيات بوهران في مجال تطوير المواهب. هناك، لفتت إمكانيات طاهيرو الاستثنائية انتباه المدرب عبد القادر صادوق، الذي قرر دمجه سريعًا مع فئة أكبر منه سناً بعدما تفوق على أقرانه في فئة المتمدرسين. وكانت هذه خطوة فارقة في مسيرته الكروية، حيث بدأ يشارك في المباريات والبطولات المحلية، ليحقق العديد من الإنجازات المميزة، مثل فوزه بلقب بطولة دورة رمضان، وتُوج بلقب أفضل لاعب في دورة نظمتها جمعية “شروق”.
جناح أيمن بقدم يسرى ذهبية ورؤية بعيدة
يُعتبر طاهيرو من أبرز المواهب الصاعدة في سماء كرة القدم، حيث يلعب في مركز الجناح الأيمن رغم تفضيله لاستخدام قدمه اليسرى، وهو أمر لا يتقنه الكثير من اللاعبين. ورغم أن هذه الطريقة قد تبدو غير تقليدية، إلا أن طاهيرو أظهر براعة استثنائية في استغلال مهارته الفائقة، ليصير أحد النجوم اللامعين في مجاله. ويقول طاهيرو عن مصدر إلهامه “ميسي كان له تأثير كبير في مسيرتي، فهو قدوتي في عالم كرة القدم”. وحول اللاعبين الذين أثروا في أسلوب لعبه، يضيف “أحب ميسي، وأتمنى أن أكون نجما مثل محرز، بلايلي، وبن سبعيني. كل منهم يضفي لمسة فنية خاصة على لعبه”. هذا التوجه يعكس رغبة طاهيرو الدائمة في الارتقاء بمستواه، سعيًا ليكون في مصاف اللاعبين الكبار، كما يعكس التزامه الدائم بتطوير مهاراته، الذي يجعل منه لاعبًا واعدًا في المستقبل.
دعم العائلة وتوجيه المدرب… ركيزتان أساسيتان في تطور طاهيرو
على مستوى الفريق، أصبح طاهيرو من أبرز الوجوه في جمعية “لاراديوز”، وهو ما جذب انتباه الأندية الكبرى. يعود تطوره الكبير إلى التوجيه الاحترافي من مدربه عبد القادر صادوق، الذي كان له دور محوري في صقل موهبته. إضافة إلى ذلك، الدعم المستمر من والده الذي يعزز من معنوياته. يقول والده لطفي بفخر: “لطفي يثير انتباه كل من يتابع المباريات التي يشارك فيها، ويجعلهم يستمتعون بتقنياته الكروية، وهذا يشعرني بالفخر”. والآن، يبدو طاهيرو على أعتاب تحقيق حلمه في الوصول إلى أعلى مستويات كرة القدم، مستندًا إلى موهبته، دعم عائلته، وتوجيه مدربه، بالإضافة إلى إصراره الدائم على التطور.
بطل الملايين على “تيك توك”
لم تقتصر موهبة طاهيرو على الملعب فقط، بل تخطت الحدود لتصل إلى منصات التواصل الاجتماعي، حيث أثبت نفسه كظاهرة رقمية أيضًا. بفضل صفحة “تيك توك” التي أنشأها له والده تحت اسم “Moubarak Taher Official،” حظي طاهيرو بشعبية هائلة. أحد الفيديوهات التي نشرها حصد أكثر من 6 ملايين مشاهدة، ليصبح بذلك محط أنظار الملايين من المتابعين حول العالم. هذه الظاهرة لم تقتصر على الجزائر فحسب، بل اجتذبت اهتمام كشافين من خارج البلاد أيضًا، مما يفتح أمامه آفاقًا جديدة نحو مستقبله الكروي.
من وهران إلى أنظار الأندية الكبرى
لم تمر موهبة طاهيرو مرور الكرام على الأندية المحلية في وهران، فقد استطاع أن يلفت الأنظار بسرعة الى امكانياته الاستثنائية، حتى لدى أندية بحجم مولودية وهران وجمعية وهران، على الرغم من أن هاتين الأخيرتين لا تمتلكان فئات اقل من 9 سنوات. الا أن مدرب فئة أقل من 17 سنة في مولودية وهران، الشيخ توهامي هواري، كان أول من اكتشف موهبة طاهيرو، حيث استدعاه للتدريب مع اللاعبين الأكبر سنا، ووعد بضمه رسميًا إلى الفريق عند بلوغه 10 سنوات، وهو نفس الاهتمام الذي أبدته جمعية وهران، ما يعكس مدى اعجابهم بمهاراته. لكن صدى موهبة طاهيرو لم يتوقف عند حدود وهران، بل وصل إلى العاصمة، حيث تواصل المسؤولون في نادي بارادو مع جمعية “لاراديوز”، طالبين اصطحاب طاهيرو إلى العاصمة في إحدى المناسبات السابقة على الرغم من أن الفئة المستدعاة كانت أقل من 11 سنة. هذا الاهتمام من النادي يعكس ثقتهم الكبيرة في إمكانيات طاهيرو، ولكن من المفترض أن ينتظر حتى بلوغه العمر المناسب للانضمام رسميا. لكن المفاجأة الأكبر جاءت من خارج الجزائر، حيث وصلت موهبة طاهيرو إلى أحد الكشافين التابعين لنادي برشلونة الإسباني. ابن خاله عرض الفيديوهات الخاصة به على أحد الجزائريين المهتمين بكرة القدم الجزائرية والمواهب الناشئة. هذا الأخير تواصل مع كشاف إسباني تابع لنادي برشلونة، الذي قام بمراجعة فيديوهات طاهيرو بشكل دقيق لمدة نصف ساعة. بعد التحليل، أكد الكشاف الإسباني أن طاهيرو يمتلك المؤهلات التي تؤهله للانتقال إلى الأندية الإسبانية بسهولة في حال قرر الانتقال إلى إسبانيا. وقال الكشاف الإسباني: “هذا الطفل قادر على اللعب في الأندية الإسبانية بكل سهولة”. القضية قيد الدراسة حاليًا، وهناك استعداد من عائلة طاهيرو لاتخاذ كافة الخطوات لضمان مستقبله الاحترافي في أوروبا. فهل تكون إسبانيا هي وجهته القادمة؟ الأيام القادمة ستكشف عن الإجابة.
طاهيرو بين حلم المنتخب وسحر برشلونة.. بداية قصة استثنائية
يحمل طاهيرو طموحات كبيرة تتجاوز عمره الصغير، إذ يحلم بارتداء قميص المنتخب الوطني وتمثيل الجزائر في المحافل الدولية، كما يطمح للعب في صفوف ناديه المفضل، برشلونة. بين الحلم والعمل الجاد، يقول والده: “أحاول الموازنة بين تدريباته ودراسته. الأمر ليس سهلاً دائمًا، لكنه يستحق كل التضحيات، فنحن نؤمن أن مستقبله سيكون مشرقًا.” لم تمر موهبته دون أن تُكافأ، فقد حصد العديد من الجوائز التي أكدت تميزه، من بينها جائزة أفضل لاعب في بطولة كروية نظمتها جمعية “لاراديوز”، حيث أثبت جدارته وسط أبرز المواهب. كما لفت أنظار كشاف فرنسي، الذي لم يتردد في وصفه قائلاً: “هذا رقم 10 حقيقي!”، في إشارة إلى إمكانياته الفنية الاستثنائية. أما عن قدوته في عالم كرة القدم، فيقول طاهيرو بحماس: “أتمنى أن ألعب مع المنتخب الوطني الجزائري، وأحب يوسف بلايلي، جمال بن العمري، رياض محرز، رامي بن سبعيني، لامين جمال، وميسي. كما تعجبني طريقة لعب ليفاندوفسكي. حلمي الأكبر أن أرتدي يومًا ما قميص برشلونة والمنتخب الجزائري.” بينما يواصل طاهيرو رسم ملامح مستقبله، يراود كل جزائري حلم رؤيته وهو يرفع الراية الوطنية عاليًا، مستمرًا في رحلته بخطى ثابتة نحو النجومية. فهل يكون هذا الفتى الصغير أحد نجوم الكرة الجزائرية في المستقبل؟ الأيام وحدها كفيلة بالإجابة.